العلامة محمد أمان الجامي بين غلاة التجريح ودروشة كل زاعق وناعق
بقلم الدكتور صادق بن محمد البيضاني
لقد وقفت على ثمانية عشر مؤلفاً للشيخ العلامة محمد أمان الجامي، بالإضافة لمجموعة من الأشرطة الصوتية التي سمعتها وأشرفت على تفريغ بعضها ومراجعتها قبل الطباعة، مع الوقوف على بعض المقالات والمحاضرات لفضيلته رحمه الله، حيث لم أجد لهذا الشيخ الكريم الفاضل ما يدعو إلى التقليل من شأنه وانتهاك عرضه والطعن فيه، وتلقيب من يثني عليه بلقب الجامية سوى الجهل بحال الشيخ أو الهوى أو التحزب لأصحاب المشالح الثورية، ممن عرفوا بالمناهج العصرية المطاطة.
بالمقابل أعجب لغلاة التجريح الذين يثنون على فضيلته وهم من أبعد الناس عن أخلاقه وإنصافه وأسلوبه العلمي حتى مع المخالفين لنا في المنهج، وليس محبوه على وتيرة واحدة ـ وإن كنت أفخر شخصياً أنني من محبيه ـ، لكن للأسف أن بعض المحسوبين عليه يشوهون صورته أمام العوام والرعاع لانشغالهم بجمع زلات العلماء وطلابهم بقصد النقيصة أو التضليل أو التبديع، ناهيك عن الهجر وسوء الأخلاق وقساوة المعاملة مع المخالفين لهم، وهذا المنهج لا يتوافق مع منهج هذا العلامة النزيه، ولن يستطيع هؤلاء المتعصبون له على جهالة أن يثبتوا أنه رحمه الله بدع إخوانه العلماء وطلاب العلم، وانشغل بزلاتهم وأخطائهم، كما لا يستطيع الطرف الثوري النقيض الظالم أن يثبت هذا المنهج الرديء لفضيلته رحمه الله.
كنت يوماً ما في أحد المجالس، فذكر أحدهم لقب " الجامية " بقصد الرد على غلاة التجريح، فقلت للقائل : إن العلامة الجامي لا يقبل هذا الفكر المحسوب عليه، فرد علي لاحقاً من خلال رسالة قال فيها : هذا اللقب لا يقدح في الشيخ الجامي، وإنما هو تعريف لمن عُرفوا بهذا المنهج من الأتباع، ويمكن أن يكون حاله كحال أبي الحسن الأشعري الذي كان على ضلال ثم رجع للسنة، حيث بقي أتباعه على المذهب الأشعري، ومن ثمَّ لُقبوا بالأشاعرة رغم أنهم غير محسوبين على منهجه بعد التوبة.
والجواب : أن أبا الحسن الأشعري كان يحمل فكراً ضالاً ثم تركه بالرجوع إلى الله، أما العلامة الجامي فإنه منذ كان طالباً بالمعهد العلمي الثانوي بالرياض ـ بل وقبل أن يلتحق به ـ وهو سلفي العقيدة والمنهج، ولم يعرف بغير هذا المشرب الصافي منذ سكن الجزيرة في أوائل شبابه، ناهيك عن مشايخه وأصدقائه وخواصه من أئمة هذه الدعوة المباركة أمثال : الشيخ عبد الرزاق حمزة، وعبد الحق الهاشمي، ومحمد بن عبد الله الصومالي، ومحمد بن إبراهيم آل الشيخ، وعبد العزيز بن باز، ومحمد الأمين الشنقيطي، وحماد الأنصاري، وعبد الرزاق عفيفي وغيرهم.
فهؤلاء المذكورون هم ما بين مشايخ وزملاء وأصدقاء لهذا العلامة الجليل، وشيء آخر: أن هؤلاء الذين لقبوا إخوانهم السلفيين بالجامية، يسيؤون لهذا العلامة ليقولوا : هؤلاء الذين يبدعون إخوانهم من العلماء والدعاة وطلاب العلم حملوا هذا المنهج الرديء عن شيخهم ومحبهم : محمد أمان الجامي رحمه الله، وهذا ظلم وعدوان ـ والعياذ بالله ـ لأن الواقع يكذب دعواهم، فلتقولوا عنهم " غلاة التجريح" حتى يسلم لكم دينكم من الخدش الجائر، فإنه بريء من هذا الفكر براءة الذئب من دم يوسف.
كما أقول لهؤلاء الذين يغردون كالببغاء مع مَنْ غرد، ويهرفون بما لا يعرفون : اتقوا الله؛ فإن عاقبة الظلم وخيمة، فليس الشيخ بحي حتى تتسامحوا منه.
ثم أعجب لهؤلاء الذين يتهمونه بالعمالة للسلطات الموالية لأمريكا ـ حسب تعبيرهم ـ رغم أنه خالف جمعاً كبيراً من علماء عصره في التسعينيات الميلادية، ليقول أمريكا وأضرابها في حكم المحارب، في الوقت الذي قال فيها كثير من علماء العصر : إن أمريكا معاهدة وليست محاربة.
يقول الشيخ محمد أمان الجامي ـ رحمه الله ـ : " ،وإذا كنّا نُحس أنّ بعضَ الكفارِ في حكم الحربيين، ليس بحربيٍّ فعلاً، ولكنّه في حكم الحربيّ لأنه ظهير للكافر الحربيّ الذي بيننا وبينه الحرب ، ظهيراً له ، ومعيناً له، إن كنَا قادرين على محاربتِه حاربناه، وإلا نأخذ في الاستعداد ( وأعدوا لهم )، أما كوننا ندخل معهم في الحرب، ونحن غير معدين وغير مستعدين للقتال معهم ، هذه ليست بشجاعة هذا تهور، لا بد من الاستعداد من قبْل ، قبْل الحرب معهم ، وهذا موقف المسلمين اليوم مع الدول الكبرى([1]) كما يسمّون وهم "إما حربيون أو في حكم الحربيين "، ولكنّ المسلمين عاجزون من مقاومتهم ومن محاربتهم ،لأنهم لم يعدّوا أنفسهم بعد ، فعلى المسلمين أنّ يعدّوا أنفسهم بمصانع حربية كمصانعهم ، حتى يكونوا قوةً قادرةً على حربِهم ، وأما أن نقفُ عند مصانع الكبريت ومصانع المكرونه ، ما عندنا مصانع حربية عاجزون ـ عجز القادرين على التمام ـ لسنا بعاجزين مادياً، ولا من حيث الرجال، ولكنْ يسمّى عجزنا عجز القادرين على التمامِ .
ولم أرَ في عيوب الناس عيباً كعجز القادرين على التمامِ
هذا هو عجزنا، قبْل أنْ نعدَ أنفسنا فلنقف عند حدنا وإلا يستبيحون بيضتنا ، ولكنْ نُعد أنفسنا إعدادًا من جديد"([2])اهـ.
إن الكلام في هذا المقال يطول حول جهتين متناقضتين جائرتين هما : غلاة التجريح والشباب الناعق المتأثر بالحركات الإسلامية المعاصرة، ومن طرف : وهو واقع هذا العلامة الجامي الذي ظلمه الطرفان بما آلا إليه تفريطاً أو إفراطاً.
فهذه كتبه وأشرطته ومقالاته محفوظة، منشورة، فارجعوا إليها جميعاً، ولا يحملنكم الكبر والحياء والتحزب من عدم العودة إلى الجادة والصواب، فليس العيب أن تخطئ، ولكن العيب أن تصر على الخطأ بعد بيان الحجة وكشف النقاب.
ولا شك أن الطرفين يفتقران إلى العلم بحياة الشيخ ومنهجه، مع فقدان كثير منهما العلم الشرعي والحكمة في التعامل.
وما أحسن كلامه رحمه الله في هذا الباب حيث يقول : " البصيرة هي العلم الذي مصدره الوحي، والفقه الدّقيق الذي يستفيد منه الداعية الحكمة وحُسن الأسلوب، وكسب القلوب، والتّحبّب إلى الناس دون تملّق ولا نفاق.
والتحابب بين المسلمين عامّة وبين الدّعاة خاصة أمرٌ ضروري لحياة الدعوة، بل سبب لرضا الرّب تعالى ودخول دار الكرامة " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، ألا أدلّكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم!"([3]).اهـ
والله من رواء القصد.
وكتبه
صادق بن محمد البيضاني
حرر بمدينة المنامة، صبيحة الأربعاء، العاشر من شوال لعام 1435هـ
صادق بن محمد البيضاني
حرر بمدينة المنامة، صبيحة الأربعاء، العاشر من شوال لعام 1435هـ
[1] تطلق هذه الدول على أمريكا والتحالف الأجنبي الاستعماري.
[2] محمد أمان الجامي، شرح ثلاثة الأصول، شريط صوتي.
[3] محمد أمان الجامي، مشاكل الدعوة والدعاة في العصر الحديث(ص24)، والحديث أخرجه مسلم في صحيحه.
المصدر
http://ift.tt/1yMnZ3m
المصدر
http://ift.tt/1yMnZ3m
العلامة محمد أمان الجامي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق