فصل : في القرآن مجازات واستعارات :
وبه قال أكثر الفقهاء والأصوليين .
في أدلتنا :
قد جمع القرآن أقسام المجاز :
فمنها : الزيادة التي إذا حُذفت استقل الكلام ، كقوله تعالى : ( ليس كمثله شيء ) ، فإذا حذفت الكاف استقل المعنى ، وهو أنه يبقى : ليس مثله شيء ، وإذا كانت بحالها ، اقتضى أن يكون له مثل ، وليس لمثله شبه ولا مثل ، ولا بد من حذفه لحصول المعنى المقصود بالنفي .
ومنها : النقصان ، مثل قوله : ( وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، وإنما هو حُب العجل ، فحُذف الحب وذكر العجل ، وذات العجل لم تُشرب في قلوبهم ، ولا يُتصور ذلك .
وكذلك قوله في عيسى : (قول الحق ) ، (وكلمتُه ) ، والمراد به : الكائن بكلمة الله ..
ومن أدلتنا :
قوله تعالى : (بلسان عربي مبين ) ، وإذا ثبت أنه عربي ، فإن لغة العرب مشتملة على الاستعارة والمجاز ، وهي بعض طرق البيان والفصاحة ..
وأما الدلالة على جوازه عقلا :
أنه ليس في ذلك ما يحيل معنى ، ولا يوجب مناقضة ، ولا اختلافا ، ولا يُخل بمقصود ، فلا وجه للمنع منه عقلا .
وأما الدلالة على من منع المجاز من أصحابنا :
أن مذهبهم قِدم الكلام ، والباري قد أخبر بإرسال الأنبياء ، وأنهم قالوا ، وفعلوا ، ونودوا ، وأوذوا، وقيل لهم ، وهذا كله لم يك بعد ، ولا وُجد ، فلا تفصِّي لهم عن المجاز ، وأضاف إلى ذاته بظاهر اللفظ : الحب والغضب ، والإتيان والمجيء ، وهم بين مذهبين :
إما تأويل يصرف عن الحقيقة ، بمعنى : سيقول ، كما قال : ( ونادى أصحاب النار ) ، بمعنى : سينادي ، وجاءت ملائكة الله ، وأمر الله ، وعقاب الله ، وهذا صورة المجاز .
أو يكون غير معلوم لا يعلمه إلا الله ، فلا يمكن أن تكون حقيقةٌ موضوعةٌ لا تكون معلومة ، فلم يبق إلا المجاز ، ومتى كان حقيقة ، كان الخطابُ والمخاطبون قديميْن ، وذلك محال .
فصل : ليس في القرآن غيرُ العربية :
وبه قال جمهور الفقهاء والعلماء والمتكلمين ، خلافا لابن عباس وعكرمة أن فيه غير العربية كمشكاة ، وقسطاس ، وسجيل ، وإستبرق .
في أدلتنا :
فمنها : قوله تعالى : ( قرآنا عربيا غير ذي عوج ) ، (بلسان عربي)، ( ولو جعلناه أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته آاعجمي وعربي ) ، وهذه صفة لجميع الكتاب العزيز ، ونفي للقول بأن فيه أعجميا وعربيا، وهذا القول يتطرق عليه إذا كان بعضه غيرَ عربي .
ولأنه تحداهم به سبحانه ، والقوم لا يقدرون على الأعجمي ، فلا يتحداهم بما لا قدرة لهم عليه ولا هو من صناعتهم ، وإنما يتحداهم باللسان الذي يقدرون عليه ، ثم يعجزون عن نظمه وأسلوبه ، ألا ترى أنه سبحانه لم يتحداهم بالطب ، كما تحدى قوم عيسى ، ولا بما يتوهمونه سحرا ، كما تحدى قوم موسى ، فكل قوم تحداهم بما كان من صناعتهم ، وأبان عن عجزهم عنه ، استدلالا على تأييد نبيهم بما يخرق عاداتهم ، ولهذا لم تُتحدّ العبرانية والسريانية بالكلام العربي .
في شبههم :
فمنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الى الخلق كافة ، فجمع في كتابه سائر اللغات ..
ومنها : أنه قد وجدنا في القرآن ما ليس بالعربية كمشكاة وهي كلمة هندية ، وسجيل وإستبرق وهما كلمتان بالفارسية ، وطه وهي بالنبطية.
في الأجوبة :
فأما أنه بعث الى الخلق كافة ، فليس يعطي هذا أنه قد أعطى الكافة حقهم من الخطاب ، لأن البلاغ إذا قُصد به تعميم الكل ، وجب أن يستوعب كل أمة بجميع ما شرع لهم ، كما أن العرب استوعبت بخطابهم بالأوامر كلها والنواهي والوعد والوعيد ، ..فأما أن يُبعث الرسول إلى الهند فيقول لهم : (مشكاة ) ، فمحال في الأوامر والنواهي ..ويبعث الى الفرس ، فلا يخاطبهم بما يخصهم به ، إلا أن يقول لهم : (سجيل) و( إستبرق ) ، ويبعث الى النبط فيقول لهم : (طه ) ، هذا من أهجن المقالات .
والمحققون من أهل اللغة قالوا : إنها هذه كلمات تواطأت ، فسارت ، فكانت في العربية كهي في غيرها من اللغات ، مثل تنورٌ ، بكل لغة تنور ، وتواطأ لسان والعرب في ( سجيل ) و (إستبرق ) ، والنبط والعرب في ( طه ) ..
فصل : في تفسير القرآن بالرأي والاجتهاد :
لا يجوز عند أصحابنا ، بل لا يجوز إلا نقلا ، لقوله تعالى : ( لتبيّن للناس ما نزِّل إليهم ) ، فردّ البيان إليه صلى الله عليه وسلم ، فلا يجوز أن يُسمع من غيره .
فصل :
فأما نقل التفسير فقربة وطاعة ، وقد فسر أحمد وأوَّل كثيرا من الآي على مقتضى اللغة ، من ذلك : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ) ، فقال : بعلمِه ..
والدلالة على جواز ذلك والتقرب به :
قوله تعالى : ( كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته ) .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس ، فقال : ( اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ) ، ولو لم يكن فضيلة ، لما دعا له بها ، وقرنَه إلى الفقه في الدين .
ولأن القرآن نزل بلغتهم ، فوجب تفسير ما أُغلق منه على غيرهم بشواهد لغتهم من نثرهم وأشعارهم وخطبهم .
عن كتاب الواضح لابن عقيل الحنبلي .
المصدر: .:: منتديات الوليد ::. - من قسم: الإعجاز العلمي والتعليمي في القرآن والسنة النبوية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق